سورة الرعد - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


فَمِنْ سبخٍ ومن حَجَرٍ ومن رمل.. أنواع مختلفة، وأزواج متفقة. وزروع ونبات وأشجار أشتات، وأصل الكل واحد، فأجزاؤها متماثلة، وأبعاضها متشاكلة، ولكن جعل بعضها غدقاً، وبعضاه قشراً، وبعضها غُصْناً، وبعضها جذعاً، وبعضها أزهاراً، وبعضها أوراقاً.. ثم الكلُّ واحد، وإن كان لكلِّ واحدٍ طبعٌ مخصوص وشكلٌ مخصوص، ولون مخصوص وقشر مخصوص مع أنها تُسْقَى بماءٍ واحدٍ؛ إذ يصل إلى كل جزء من الشجر من الماء مقدارُ ما يحتاج إليه، {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضِ فِى الأُكُلِ}.


وإن تعجبُ- يا محمد- لقولهم فهذا موضعٌ يَتَعَجَّبُ منه الخَلْق، فالعَجَبُ لا يجوز في صفة الحقِّ، إذ إن التعجبَ الاستبعادُ والحقُّ لا يَسْتَبْعِدُ شيئاً، وإنما أثبت موضعَ التعجب للخَلْق، وحَسَنٌ ما قالوا: إنما تعجب من حجب لأنَّ مَنْ يَنَلْ عيونَ البصيرةِ لا يتعجَّبُ مِنْ شيء.
وقومٌ أطلقوا اللفظ بأن هذا من باب الموافقة أي إنك إن تعجب فهذا عجب موافقتك له.
وإطلاق هذا- وإن كان فيه إشارة إلى حالة لطيفة- لا يجوز، والأدبُ السكوتُ عن أمثال هذا. والقوم عبّروا عن ذلك فقالوا: أعجبُ العجبِ قول ما لا يجوز في وصفه العجب.. وإنْ تعجَّب.
وقوله تعالى: {أَءِذَا كُنَّا تُرَاَباً أءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ}: استبعادُهم النشأةَ الثانيةَ- مع إقرارهم بالخَلْقِ الأولِ وهما في معنىً واحد- موضعُ التعجب، إذ هو صريح في المناقضة، وكان القومُ أَصحابَ تمييز وتحصيل، فقياسٌ مثل هذا يدعو إلى العجب. ولكن لولا أن الله- سبحانه- لَبَّسَ عليهم كما قال: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [يس: 9]- وإلا ما كان ينبغي أَنْ يخفي عليهم جواز هذا مع وضوحه.


قوله جلّ ذكره: {لَهُ مَعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}.
الكناية في: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} راجعةٌ إلى العبد، أي أن ألله وَكَلَ بكلِّ واحدٍ منهم معقباتٍ وهم الملائكة الذين يعقب بعضهم بعضاً بالليل والنهار يحفظون هذا المكلَّف وذَاكَ من أمر الله، أي من البلاء الذي بقدرة الله. يحفظونهم بأمر الله من أمر الله، وذلك أن الله- سبحانه- وَكَلَ لكلِّ واحدٍ من الخَلقْ ملائكةً يدفعون عنهم البلاَءَ إذا ناموا وغفلوا، أو إذا انتبهوا وقاموا ومشوا وفي جميع أحوالهم.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بقومٍ حتى يغيروا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}.
وإذا غيَّروا ما بهم إلى الطاعات غيَّر الله مابهم منه من الإحسان والنعمة، وإذا كانوا في نعمة فغيَّروا مابهم من الشكر لله تغيَّر عليهم ما مَنَّ به من الإنعام فيسلبهم ما وهبهم من ذلك، وإذا كانوا في شدة لا يغير ما بهم من البلاء حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أخذوا في التضرع، وأظهروا العجز غيَّر ما بهم من المحنة بالتبديل والتحويل.
ويقال إذا غيَّروا ما بألسنتهم من الذِّكْرِ غيَّر الله ما بقلوبهم من الحظوظ فأبدلهم به النسيانَ والغفلة، فإذا كان العبد في بسطةٍ وتقريب، وكشفٍ بالقلب وترقب.. فاللَّهُ لا يُغَيِّر ما بأنفسهم بترك أدبٍ، أو إخلال بحقٍ، أو إلمام بذنبٍ.
ويقال لا يَكُفُّ ما أتَاحه للعبد من النعمة الظاهرة أو الباطنة حتى يتركَ ويُغَيِّر ما هو به من الشكر والحمد. فإذا قابل النعمة بالكفران، وأبدل حضور القلب بالنسيان وما يُطيح به من العصيان.. أبدل اللَّهُ تعالى ما به من النعمة بالحرمان والخذلان، وسَلَبَه ما كان يعطيه من الإحسان.
ويقال إذا توالت المحنُ وأراد العبدُ زوالَها فلا يصل إليه النَّفْضُ منها إلاَّ بأَنْ يغير ما هو به؛ فيأخذ في السؤال بعد السكوت، وفي إظهار الجَزَع بعد السكون، فإذا أخذ في التضرع غيَّر ما به من الصبر.
قوله: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بَقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ}: يقال إذا أراد اللَّهِ بقومٍ بلاءً وفتنة فما تعلَّقَتْ به المشيئة لا محالة يجري.
ويقال إذا أراد الله بقوم سوءاً (...) أعينهم حتى يعملوا ويختاروا ما فيه بلاؤهم، فهم يمشون إلى هلاكهم بأقدامهم، ويسعون- في الحقيقة- في دَمِهِم كما قال قائلهم:
إلى حَتْفِي مَشَى قدمي *** إذا قَدَمِي أراق دمي

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8